كتب : منصور مجاهد
قبل أقل من عام، كان فلوريان فيرتز هو الاسم الذي يتداول على ألسنة جماهير كرة القدم في ألمانيا وأوروبا، لاعب الوسط الشاب الذي حول باير ليفركوزن من فريق تنافسي عادي إلى أحد أقوى الفرق في الدوري الألماني والدوري الأوروبي، فيرتز لم يكن مجرد لاعب جيد، بل كان نجمًا استثنائيًا، صانع ألعاب قادر على قلب موازين المباريات، وصاحب رؤية استثنائية وتمريرات تخترق خطوط المنافسين.
شهد الموسم الماضي رقمًا تاريخيًا لم يحققه سوى جوليانو سيميوني، حين حصد فلوريان لقب رجل المباراة في ثلاث مباريات متتالية ضد فرق كبيرة هي: فينورد الهولندي، ميلان الإيطالي، وبريست الفرنسي في البطولات الأوروبية، هذا الرقم جعل الجميع يصفه بـ “المتفرد في ألمانيا”، نجمًا لا يمكن تجاهله أو محاصرته بسهولة، ومؤشرًا على مستقبل باهر في عالم الساحرة المستديرة.

لكن كل ذلك تغير بشكل مفاجئ مع انتقاله إلى ليفربول الإنجليزي، الفريق الذي لطالما كان من أبرز أندية العالم، بمسؤوليات أكبر وضغوط جماهيرية هائلة لا تسمح بأخطاء، وأسلوب لعب سريع ومكثف يحتاج إلى قدرة تكيف عالية.
بداية معقدة للألماني في أنفيلد
رغم الضجة الإعلامية والصفقة الكبيرة، يواجه فيرتز اليوم أصعب تحدياته في مسيرته الاحترافية، منذ انضمامه، لم يسجل ولم يصنع سوى 3 أهداف، وهو رقم أثار موجة من التساؤلات والقلق لدى جماهير الريدز، خصوصًا في ظل التوقعات العالية المرتبطة بسعره الضخم.
السبب الأساسي ليس فقط في قدراته، بل في بيئة جديدة كليًا ونظام لعب مختلف، حيث أصبح عليه التكيف مع ضغط المباريات المستمر، القوة البدنية للفرق الإنجليزية، وسرعة اتخاذ القرار في البريميرليج، وهو أسلوب بعيد تمامًا عن الدوري الألماني الذي برع فيه.

هذا التحول أثر أيضًا على توازن خط وسط ليفربول، إذ أصبح دمج فيرتز تحديًا تكتيكيًا للمدرب، مع ضرورة الحفاظ على ديناميكية الفريق، وعدم الإخلال بمنظومة صلاح وجاكبو وبقية النجوم.
الإنجازات التاريخية لا تُنسى
على الرغم من البداية المتعثرة، لا يمكن تجاهل المسيرة المذهلة للاعب مع ليفركوزن، الثلاث مباريات التاريخية التي حصل فيها على لقب رجل المباراة ضد فينورد، ميلان وبريست لم تكن مجرد صدفة، بل شهادة على الذكاء التكتيكي، القدرة على التحكم بالكرة في المواقف الحرجة، وصناعة الفارق أمام فرق أوروبية كبيرة.
هذا الإنجاز لم يحققه سوى جيوفاني سيميوني، ابن المدرب الأسطوري دييجو سيميوني، ليضع فلوريان فيرتز في خانة النخبة الأوروبية المبكرة، ويثبت أن جميع التوقعات التي صاحبت انتقاله إلى ليفربول كانت مبنية على أسس واقعية.
أرقام فيريتز بين ليفركوزن وليفربول
| الإحصائية | باير ليفركوزن | ليفربول |
|---|---|---|
| عدد المباريات | 197 مباراة | 15 مباراة |
| عدد الدقائق | 14,320 دقيقة | 1,036 دقيقة |
| عدد الأهداف | 57 هدفًا | 0 هدف |
| عدد الأسيست | 62 تمريرة حاسمة | 3 تمريرات حاسمة |
| إجمالي المساهمات التهديفية | 119 مساهمة | 3 مساهمات |
| معدل المساهمة التهديفية | مساهمة كل 120 دقيقة | مساهمة كل 345 دقيقة |
| معدل التسجيل | هدف كل 251 دقيقة | لم يسجل بعد |
في باير ليفركوزن، كان فلوريان فيرتز يلعب كصانع ألعاب حر (Advanced Playmaker) خلف المهاجم مباشرة، محاطًا بلاعبين يمنحونه الحرية والمساحة للابتكار.

الفريق الألماني بُني حوله حرفيًا، فكانت الكرة تمر عبره في 70٪ من الهجمات المنظمة، أما في ليفربول، فالنظام مختلف كليًا؛ يعتمد أرني سلوت على الضغط العكسي والتمركز المتقدم للأجنحة، ما يجعل فيرتز مطالبًا بدور مزدوج: المساندة الدفاعية ثم البناء السريع، وهو ما يقلل من وقت اتخاذ القرار الذي كان يميزه في البوندسليجا.
الجانب الذهني والضغوط الجماهيرية
في ألمانيا، كان فيرتز “الابن المدلل” للصحافة والجماهير، حيث يُنظر إليه كرمز للجيل الذهبي الجديد بعد توماس مولر، أما في إنجلترا، فالأمر مختلف تمامًا، جماهير ليفربول لا تعرف الانتظار، والصحافة الإنجليزية لا ترحم.
هذا الضغط المبكر أدى إلى تراجع الثقة بالنفس في الثلث الأخير من الملعب، فبات يمرر بسرعة أو يختار الحل الآمن بدلاً من المراوغة أو التسديد، ما أفقده جزءًا من بريقه الإبداعي.
البيئة الفنية والدعم من الزملاء
في ليفركوزن، كان فيرتز ينسجم بانسيابية مع المنظومة التي تمنحه الدعم التكتيكي الكامل. لكن في ليفربول، لم يصل بعد إلى الانسجام المثالي مع الثلاثي الأمامي (صلاح – جاكبو– إيكيتيكي)، خصوصًا أن صلاح يميل أكثر للعب الفردي في العمق، وهو ما يُعطل أحيانًا خيارات فيرتز في التمرير البيني أو التحرك بين الخطوط.

الدوري الإنجليزي أكثر خشونة وسرعةً وإيقاعًا من البوندسليجا، فيرتز القادم من بيئة ألمانية تعتمد على التنظيم والتمرير القصير، وجد نفسه في مباريات مفتوحة تتطلب ردة فعل أسرع مرتين على الأقل، لذلك، بدا مرهقًا ذهنيًا أكثر من بدنيًا، لأن اتخاذ القرار في البريميرليج يحتاج إلى حس فوري ومباشر، وليس بناءً تدريجيًا كما في ألمانيا.
دعم ألماني وصبر مطلوب
الصحافة الألمانية لم تتأخر في الدفاع عن نجمها الشاب، وسط الانتقادات البريطانية التي طالته في البداية، وبعضها تضمن اتهامات غير منطقية لمحمد صلاح بأنه السبب في تراجع مستواه.
صحيفة “بيلد” ذكرت أن فيرتز كان قريبًا جدًا من صناعة هدف مثالي لصلاح أمام تشيلسي، لولا إهدار الأخير للفرصة، ما يؤكد أن عدم تسجيله أو صناعته لا يعكس مستواه الفعلي.
أيضًا، أشارت الصحيفة إلى أن زملاء فيرتز لا يقدمون الدعم الكافي له داخل الملعب، رغم أنه يقوم بحركات ذكية ويمرر كرات مفتاحية لم تُترجم بعد إلى أهداف.
النرويجي يان فيورتوفت، نجم البريميرليج السابق، ذهب أبعد من ذلك وقال بسخرية:
“يهاجمونه وكأنه المسؤول عن كل شيء في ليفربول… لم يبقَ سوى أن يلوموه على توقف فرقة البيتلز عن الغناء”.
وأضاف أن مشروع فيرتز مع ليفربول يمتد لخمس سنوات على الأقل، وأن مقارنته بلاعبين تأقلموا سريعًا مثل هالاند وصلاح ليس عادلاً، لأن الألماني الشاب يحتاج إلى الوقت فقط.
الراحة الدولية ومسار المستقبل
وجد فيرتز بعض الراحة بعيدًا عن ضغوط الدوري الإنجليزي، عبر مشاركته مع منتخب ألمانيا في تصفيات كأس العالم 2026 ضد لوكسمبورج وأيرلندا الشمالية، حيث قدم أداءً متزنًا أعاد الثقة لجماهيره، رغم عدم تسجيله أو صناعته للأهداف.
كما أن التجارب السابقة أثبتت أن حتى النجوم الكبار مثل كيليان مبابي يحتاجون إلى فترة انتقالية قبل التألق في أندية جديدة، فيرتز اليوم يحتاج إلى فرصة ليجد ذاته داخل منظومة ليفربول، ويعيد إظهار الإبداع الذي أبهر أوروبا.
فيرتز بين الأسطورة والانتظار
فلوريان فيرتز لم يعد نجم ألمانيا الوحيد فحسب، بل أصبح رمزًا للشباب والموهبة في كرة القدم الأوروبية الحديثة، انتقاله إلى ليفربول كان خطوة طبيعية نحو القمة، لكن التأقلم مع بيئة جديدة دائمًا ما يحتاج إلى صبر وفهم.
ما هو مؤكد، أن الأرقام التاريخية التي حققها في ألمانيا لن تُنسى بسهولة، وأن الجماهير والصحافة الألمانية لا تزال تؤمن بأن اللاعب الشاب سيعود أقوى، ليكتب فصلاً جديدًا من أسطورة ألمانية في قلب البريميرليغ.
