معرض الشارقة للكتاب يواصل تألقه ويستعد لنسخة مميزة

معرض الشارقة للكتاب يواصل تألقه ويستعد لنسخة مميزة

الشارقة للكتاب يواصل مسيرة التألق

الإثنين، 24 نوفمبر، 2025 – 12:56 ص

طارق عبد الحميد

اعتبر صاحب السمو الشيخ الدكتور سلطان بن محمد القاسمي أن الكتب تشبه السفن التي نسافر بها عبر الزمن إلى آفاق الحكمة والثقافة والعلم، وتعكس هذه المقولة الرؤيا الراسخة التي بنى عليها سموه مشروع الشارقة الحضاري، حيث جعل من الثقافة نهجًا مؤسسيًا منذ بداية السبعينيات من القرن العشرين، مؤكدًا أن الكتاب يمثل الأساس الفكري لبناء الإنسان والمجتمع، وهي رؤية اتسعت أفقها مع المشاريع والمؤسسات الثقافية التي احتضنتها الإمارة طوال العقود الماضية،

من أبرز تجليات هذه الرؤية معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي اختتم فعاليات دورته الرابعة والأربعين (44) في الفترة من 5 إلى 16 نوفمبر الجاري تحت شعار “بينك وبين الكتاب”، وقد نظمته هيئة الشارقة للكتاب برئاسة الشيخة بدور بنت سلطان القاسمي التي تمثل امتدادًا للجهد الثقافي المتواصل في الإمارة، وحرصت الهيئة على أن يكون المعرض مساحة التقاء بين المعرفة والثقافة، بين الكلمة والتجربة، ليجد القارئ فيها ما يغذي فكره ويقوّي صلته بالعالم من حوله،

اتسمت دورة هذا العام بحضور دولي واسع ومؤشرات أداء بارزة، إذ استقطب المعرض أكثر من 1.4 مليون زائر من 206 جنسيات، مع مشاركة تجاوزت 2,350 ناشرًا وعارضًا من 118 دولة، وتعكس هذه الأرقام مستوى الاهتمام العالمي بالمبادرات الثقافية في الشارقة، كما تؤكد قدرة المعرض على جمع شرائح متنوعة من الجمهور والمهتمين بصناعة الكتاب،

سجل المعرض توازناً في توزيع الجمهور بين الجنسين، حيث شكل الرجال 51% من الزوّار، بينما بلغت نسبة النساء 49%، وهي مؤشرات تدل على جذب المعرض لجمهور واسع ومتنوع، ووصلت معدلات الرضا إلى مستويات عالية بين الزوار والمشاركين، حيث عبّر 96.3% من الزوار عن رضاهم عن تجربتهم في المعرض، وأعرب 90.91% من العارضين عن رضاهم عن مستوى التنظيم والمشاركة، بينما بلغت نسبة الرضا في مؤتمر الناشرين في الشارقة 97.14%، وهذه الأرقام تعكس الثقة المتزايدة في جودة المحتوى والفرص التي يوفرها المعرض سنويًا،

تميّز المعرض هذا العام أيضًا بتحقيقه – للعام الخامس على التوالي – تصنيفًا عالميًا مميزًا كأكبر معرض للكتاب في العالم على مستوى بيع وشراء حقوق النشر، مما يعكس دور الشارقة المحوري في حركة النشر الدولية، ويجعل من المعرض منصة فعالة لتبادل الحقوق الثقافية وإبرام اتفاقيات الترجمة والنشر بين دور نشر من مختلف القارات،

تجسيدًا لالتزام الإمارة بدعم المعرفة وتمكين صناعة النشر العربي، وجه صاحب السمو بتخصيص مبلغ 4.5 مليون درهم لتزويد مكتبات الشارقة العامة والحكومية بإصدارات المشاركين في المعرض، وهو قرار يهدف إلى تعزيز محتوى المكتبات وإثراء مصادرها بمطبوعات عربية وأجنبية حديثة ومتنوعة، كما يسهم هذا الدعم في دعم الناشرين المحليين والإقليميين والدوليين، ويؤكد توجّه الشارقة لتوسيع أفق الوصول إلى المعرفة عبر مؤسساتها العامة والخاصة،

حضرت الثقافة المصرية حضورًا قويًا في المعرض من خلال مشاركة عشرات دور النشر المصرية بعشرات الإصدارات، كما نال الأديب والصحفي محمد سلماوي تكريم “شخصية العام الثقافية” اعترافًا بمسيرته وتأثيره في المشهد الأدبي والثقافي العربي، وتنوعت الفعاليات بين توقيعات وحوارات ومعارض كتب متخصصة، ما منح الزائرين فرصة للتفاعل المباشر مع كتاب ومبدعين يمثلون تجربة ثقافية غنية،

كما شهد المعرض استقبال الفنان خالد الصاوي خلال حفل توقيع روايته “أطلال”، ويجسد حضور الصاوي تعدد اهتماماته ومجالات إبداعه بين التمثيل والإخراج والكتابة الشعرية والمسرحية، حيث أصدر أعمالًا أدبية في الشعر والقصة مثل “الخيول” و”يوميات خلود”، إلى جانب نصوص مسرحية وحصاد من الجوائز من بينها جائزة محمود تيمور للإبداع المسرحي وجوائز من المجلس الأعلى للثقافة، كما أسهم في تأسيس الجمعية المصرية لهواة المسرح، وعُرف عنه مزيج الممارسات الفنية التي تثري المشهد الأدبي والمسرحي المصري،

شكلت دورة هذا العام من المعرض محطة مهمة في مسيرة الشارقة الثقافية، إذ جمعت بين الاحتفاء بالمحتوى العربي وتوسيع مجالات التعاون الدولي والثقافي، كما عزّزت من دور المدينة كمنصة تجمع صناع القرار الثقافي والمهنيين والقراء، وفي ضوء ما تحقق من أرقام وإنجازات، تواصل الشارقة ترسيخ مكانتها كمركز ثقافي إقليمي ودولي، وتمنح المشهد الثقافي العربي زخماً عمليًا عبر مبادرات ملموسة تهدف إلى توسيع دائرة المعرفة وإتاحة الثقافة لشرائح أوسع من المجتمع،

تؤكد نتائج المعرض والاستجابة الجماهيرية له نجاح استراتيجية طويلة الأمد تستثمر في القطاع الثقافي والتعليم والمعرفة، وتدل الإجراءات الداعمة للمكتبات والناشرين على اهتمام مؤسسي بالمحافظة على استدامة حركة النشر، مما يعزز إمكانية تحويل الإنجازات السنوية إلى أثر مستدام على مستوى القراءة والإنتاج الفكري في المنطقة،

تبقى فعاليات معرض الشارقة للكتاب مرآة حية للتفاعل بين القارئ والمؤلف والناشر، وميدانًا للقاء الثقافات وتبادل الخبرات، ويوفر للمدينة فرصة لتعميق شبكة العلاقات الثقافية الدولية، ويؤسس لمرحلة قادمة من المشاريع والمبادرات التي تعزز من حضور الكتاب ودوره في بناء مجتمع معرفي قادر على مواجهة تحديات العصر،