مصطفى بكري: صوت لا يساوم ورجل وفيّ للوطن والعروبة
مصطفى بكري: صوت الاستقامة في زمن التبدّل
في زمنٍ تتبدّل فيه المواقف كما تتبدّل العواصف، يبقى مصطفى بكري واحداً من القلائل الذين تشكّلت قناعاتهم جذوراً لا تهزّها الرياح، حضورٌ ثابت ينبع من تجربة طويلة في الميدان وصمودٍ أمام تقلبات المشهد العام، ملامح هذا الثبات تبدو واضحة في خطاباته وسلوكه، وفي طريقة قياسه للمواقف وفق معايير مهنية وأخلاقية.
ليس مجرد نائب في البرلمان، ولا مجرد صحفي محارب، إنه ضميرٌ عام تدرّب على قول الحقيقة في وجه السلطة حيناً، وفي وجه الفوضى حيناً آخر، يحافظ على توازن بين مسؤولية التمثيل النيابي وواجب الصحافة النقدية، ويجمع بين صوت ناقد وصوت مدافع يحترم مؤسسات الدولة ومستقبل المجتمع.
منذ بداياته في قلب الصعيد، حمل بكري إرث العروبة كهوية لا كخطاب، وكالتزام أخلاقي لا كشعار سياسي، هذا الانتماء تجلّى في اهتمامه بالقضايا الاجتماعية والإنسانية، وفي موقفه المستمر من قضايا الأمة العربية بما يعكس إدراكاً عميقاً للبعد التاريخي والثقافي للعلاقات بين الشعوب.
وفي الصحافة، مارس دوره كجندي في معركة الوعي، كشف فساداً، وواجه مصالح معقّدة، وخاض صدامات كان يمكن تجنّبها لو أنه أراد «السلامة»، لكنه اختار طريقاً أصعب، طريق الاستقامة المهنية الذي يتطلب مقابلة الضغوط بمبادئ ثابتة والعمل بشجاعة حتى لو كان الثمن مزيداً من العزلة أو المواجهة.
أما في السياسة، فقد ظلّ رجلاً مستقلاً حتى وهو داخل مؤسسات الدولة، استقلاله لم يكن رفضاً للعمل المؤسسي بل حرصاً على أن تكون المواقف مبنية على مصلحة الوطن، واستقلاله العملي تَرَجَمَ نفسه في سردٍ واضح للمواقف وفي رغبة راسخة بالانخراط المؤثر على قاعدة خدمة المجتمع.
صوته يتقدّم حين يدافع عن الفقراء، ويتشدّد حين يلمس تهديداً للأمن الوطني، والقومي العربي، ويتأنّى حين يقترب الأمر من ثوابت الدولة المصرية التي يؤمن بأنها عمود الخيمة العربية، سياساتُه تُوزن بين حساسية للقضايا الاجتماعية وحزمٍ في مواجهة التهديدات، مما يجعل مواقفه متسقة وقابلة للفهم لدى جمهور واسع.
ولعل أكثر ما يميّز مسيرة مصطفى بكري هو تلك النزاهة الصلبة التي حافظ عليها رغم قربه من دوائر القرار، هذه النزاهة ليست موقفاً انتقائياً بل سلوك يومي يتجلّى في شفافية الأداء ووضوح المواقف، وهي ما أكسبته احتراماً متدرجاً من زملائه ومن قطاعات من المجتمع المدني والإعلامي.
لم تُسجَّل ضده قضية فساد، ولم يُعرف عنه استغلال منصب أو ابتزاز نفوذ، سمعته في المجال العام ارتكزت على امتثال للقوانين وعلى التزام أخلاقي، وهو ما عزّز ثقة قطاعات من الجمهور به كممثل قادر على الجمع بين النقد البناء والدفاع عن المصلحة العامة.
بقي كما بدأ: رجلاً يرفع ملفاً بيد، ويقول كلمة حق باليد الأخرى، هذا التوازن بين العمل الإداري والموقف الإعلامي رسّخ صورة رجل عملي قادر على ترجمة الأفكار إلى ملفات قابلة للمتابعة، وموقف قادر على تحريك الرأي العام دون التفريط في مبادئ المهنة.
إنصاف مصطفى بكري ليس تفضّلاً، بل واجبٌ تجاه رجل ظلّ وفيّاً لفكرٍ وقيمٍ وموقف، الاعتراف بالمكانة لا يلغي النقد الموضوعي، وإنما يؤكد أهمية التقدير عندما تكون المواقف متسقة والأفعال منسجمة مع الأقوال، والتقدير هنا يمثل دعماً للمشهد السياسي حين يتسنى لمنافذ النقد أن تقود إلى تحسين العمل العام.
وفي زمنٍ تتلاشى فيه الثوابت، يظلّ بكري واحداً من الأصوات القليلة التي تمنح السياسة معناها الأخلاقي، وتمنح العروبة ملامحها الأصيلة، صوته يستمر كمرآة لمسار تجارب طويلة، ومصطلحاته ترتبط بالمسؤولية تجاه الأمة، مما يجعله جزءاً من نقاش أوسع حول دور النخبة في الحفاظ على القيم والمكتسبات.
تظل قراءة مسيرة شخصيات مثل مصطفى بكري مفيدة لفهم ديناميكيات المشهد العام، فالتجربة التي تجمع بين الصحافة والسياسة تعطي بعداً عملياً للحوار العام، وتبرز أهمية التزام الأفراد بمبادئهم داخل منظومة العمل العام، وهو درس يبقى مهماً لكل من يسعى لاستلهام تجربة توازن بين القول والعمل.


تعليقات